فصل: فصل فِي الْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْغَزْوَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالنُّكَتِ الْحِكَمِيَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ زِيَادَةٌ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ كَلِمَةِ الْعَبَّاسِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرَارَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ الْفِرَارُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا فَتَحَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُؤَلَّفَةِ، وَمُشْرِكِيهَا الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فَجْأَةً لانْصِبَابِهِمْ عَلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَرَشْقِهِمْ بِالسِّهَامِ، وَلِاخْتِلَاطِ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، وَمِمَّنْ يَتَرَبَّصُ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ، وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ خَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ إِلَخْ. وَفِي السِّيَرِ أَنَّ خَبَرَ الْهَزِيمَةِ بَلَغَ مَكَّةَ فَشَمِتَ مُنَافِقُوهَا.
وَفْدُ هَوَازِنَ وَإِسْلَامُهُمْ وَغَنَائِمُهُمْ وَسَبْيُهُمْ:
رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ» وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ لَهُمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. هَذَا الَّذِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. اهـ.
وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ هُوَ الزُّهْرِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، وَتَطَيُّبُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إِعْطَاؤُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِلَا مُقَابِلٍ، وَالْعُرَفَاءُ: جَمْعُ عَرِيفٍ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ وَيَتَعَرَّفُ أُمُورَهُمْ؛ لِيُخْبِرَ بِهَا مَنْ فَوْقَهُ مِنْ أُمَرَائِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَحَسُنَ. وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ لِأَجْلِ عِتْقِ السَّبْيِ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَتْحِ: سَاقَ الزُّهْرِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرَةً، وَقَدْ سَاقَهَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي مُطَوَّلَةً، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَبِهَا السَّبْيُ- يَعْنِي سَبْيَ هَوَازِنَ- وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فِيهِمْ تِسْعَةُ نَفَرٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا ثُمَّ كَلَّمُوهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فِيمَنْ أَصَبْتُمُ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَهُنَّ مَخَازِي الْأَقْوَامِ فَقَالَ: «سَأَطْلُبُ لَكُمْ وَقَدْ وَقَعَتِ الْمَقَاسِمُ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ؟ أَلسَّبْيُ أَمِ الْمَالُ؟» قَالُوا: خَيَّرْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَ الْحَسَبِ وَالْمَالِ فَالْحَسَبُ أَحَبُّ إِلَيْنَا وَلَا نَتَكَلَّمُ فِي شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ. فَقَالَ: «أَمَّا الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ فَهُوَ لَكُمْ، وَسَوْفَ أُكَلِّمُ لَكُمُ الْمُسْلِمِينَ فَكَلِّمُوهُمْ وَأَظْهِرُوا إِسْلَامَكُمْ» فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْهَاجِرَةَ قَامُوا فَتَكَلَّمَ خُطَبَاؤُهُمْ فَأَبْلَغُوا وَرَغِبُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ رَدَّ سَبْيَهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغُوا فَشَفَعَ لَهُمْ وَحَضَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «لَقَدْ رَدَدْتُ الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ عَلَيْهِمْ» فَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَدَدُ الْوَفْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَةَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ: وَأَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ وَقَدْ أَسْلَمُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ قَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ. وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللَّوَاتِيَ فِي الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَايَا خَالَاتُكَ وَعَمَّاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ اللَّاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَكْفُولٍ. ثُمَّ أَنْشَدَ الْأَبْيَاتَ الْمَشْهُورَةَ أَوَّلُهَا:
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللهِ فِي كَرَمٍ ** فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ

وَيَقُولُ فِيهَا:
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ** إِذْ فُوكَ تَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ

ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ نَحْوَ سِيَاقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. اهـ.
وَيَعْنِي الشَّاعِرُ الْخَطِيبُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ قَرَابَةِ السَّبَايَا لِلْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم قَرَابَةَ الرَّضَاعِ، فَقَدْ كَانَ بَنُو سَعْدٍ مِنْ هَوَازِنَ وَكَانَ فِي السَّبَايَا أُخْتُهُ (الشَّيْمَاءُ) وَقَدْ أَكْرَمَهَا وَحَبَاهَا، وَقِيلَ: كَانَ فِيهِمْ (حَلِيمَةُ) مُرْضِعَتُهُ أَيْضًا، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الْوَفْدِ عَمُّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو مَرْوَانَ، وَيُقَالُ: ثَرَوَانُ وَبُرْقَانُ، كَمَا كَانَ هَذَا الْخَطِيبُ مِنْهُمْ أَيْضًا.
وَفِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ رِجَالَ الْوَفْدِ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَأَنَّ مِمَّا قَالَهُ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ فِي السَّبَايَا: وَأَنَّ أَبْعَدَهُنَّ قَرِيبٌ مِنْكَ، حِضْنُكَ فِي حُجُورِهِنَّ، وَأَرْضَعْنَكَ بِثَدْيِهِنَّ، وَتَوَرَّكْنَكَ عَلَى أَوْرَاكِهِنَّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ.

.قِسْمَةُ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ:

(وَإِيثَارُ قُرَيْشٍ وَلَاسِيَّمَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَحِرْمَانِ الْأَنْصَارِ) كَانَ السَّبْيُ سِتَّةَ آلَافِ نَفْسٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ الَّذِينَ قَضَى عُرْفُ الْحَرْبِ يَوْمَئِذٍ اسْتِرْقَاقَهُمْ، وَأَعْتَقَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاسْتِرْضَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الْغَانِمِينَ، فَجَمَعَ بَيْنَ سِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ فِي التَّوَسُّلِ إِلَى تَحْرِيرِ الرَّقِيقِ بِجَمِيعِ الْوَسَائِلِ، وَاتِّقَاءِ تَنْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَاسِيَّمَا حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ. وَكَانَتِ الْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ، وَالْفِضَّةُ أَرْبَعَةُ آلَافِ أُوقِيَّةٍ. وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَثْرَةِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النَّصْرِيَّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ لِلْقِتَالِ، سَاقَ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يَثْبُتُوا وَلَا يَفِرُّوا، فَكَانَ ذَلِكَ تَسْخِيرًا مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ لِيَكُونُوا غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَسَّمَهَا وَأَفَاضَ فِي الْعَطَاءِ عَلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ طُلَقَاءِ يَوْمِ الْفَتْحِ وَجَدَ الْأَنْصَارُ وَتَحَدَّثَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ، فَجَمَعَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخَطَبَ فِيهِمْ فَأَرْضَاهُمْ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَغَازِي فَنَذْكُرُ أَصَحَّ الرِّوَايَاتِ فِيهِ.
رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَاللَّفْظُ هُنَا لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَّمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْنَا كَذَا وَكَذَا، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبِهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».
وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِين أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. (قَالَ أَنَسٌ): فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَتَجِدُونَ أَثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ» قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمْ نَصْبِرْ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ- كَذَا فِيهِمَا- بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُجْبِرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ» إِلَخْ.
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَهُوَ أَخْصَرُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا: أَعْطَى الْأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهَ اللهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «رَحِمَ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَيْ عَنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعَبِيـ ** دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ

فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسُ ** يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ** وَمَنْ تَخَفَّضَ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعُ

قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. اهـ.
وَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَسْمَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ الَّذِينَ أَجْزَلَ لَهُمُ الْعَطَاءَ فَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ وَنَيِّفًا.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمُتَقَدِّمِ: «لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا» وَإِنَّمَا أَبْهَمَهُ الرَّاوِي أَدَبًا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ فُسِّرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظِهِ فَقَالَ: «أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ وَصَدَقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَوَاسَيْنَاكَ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «أَفَلَا تَقُولُونَ: جِئْتَنَا خَائِفًا فَأَمَّنَّاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ؟» فَقَالُوا: بَلِ الْمَنُّ عَلَيْنَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. اهـ.
وَأَقُولُ: هَذَا مِنْ عَجَائِبِ تَوَاضُعِهِ وَلُطْفِهِ وَدَقَائِقِ حِكْمَتِهِ وَسِيَاسَتِهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ مَا لَعَلَّهُ يَخْتَلِجُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ ذِكْرِ بَعْضِ مَا مَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ بِهِدَايَتِهِ، وَمَا كَانُوا قَبْلَهَا إِلَّا قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الْمُتَعَادِيَةَ الْمُتَبَاغِضَةِ، لَا هَمَّ لِإِحْدَاهُمَا إِلَّا الْفَتْكُ بِالْأُخْرَى فَصَارُوا أَعَزَّ الْعَرَبِ وَمَفْخَرَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ فِيهِمْ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [3: 103] الْآيَةَ. وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى يَتَعَبَّدُ الْمَلَايِينُ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ بِتِلَاوَتِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ بَكَى الْقَوْمُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ بِالدُّمُوعِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-. وَقَدْ بَيَّنَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ مَا فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ، فَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ الْآيَاتِ مِنَ الْعِبْرَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ نَفَعَ اللهُ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.

.فصل فِي الْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْغَزْوَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالنُّكَتِ الْحِكَمِيَّةِ:

كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَعَدَ رَسُولَهُ وَهُوَ صَادِقُ الْوَعْدِ أَنَّهُ إِذَا فَتَحَ مَكَّةَ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِهِ أَفْوَاجًا، وَدَانَتْ لَهُ الْعَرَبُ بِأَسْرِهَا، فَلَمَّا تَمَّ لَهُ الْفَتْحُ الْمُبِينُ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى أَنْ أَمْسِكْ قُلُوبَ هَوَازِنَ وَمَنْ تَبِعَهَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَجْمَعُوا وَيَتَأَلَّبُوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ؛ لِيَظْهَرَ أَمْرُ اللهِ وَتَمَامُ إِعْزَازِهِ لِرَسُولِهِ وَنَصْرِهِ لِدِينِهِ؛ وَلِتَكُونَ غَنَائِمُهُمْ شُكْرَانًا لِأَهْلِ الْفَتْحِ؛ وَلِيُظْهِرَ اللهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ وَقَهْرَهُ لِهَذِهِ الشَّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا فَلَا يُقَاوِمُهُمْ بَعْدُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي تَلُوحُ لِلْمُتَأَمِّلِينَ، وَتَبْدُوا لِلْمُتَوَسِّمِينَ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ أَذَاقَ الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا مَرَارَةَ الْهَزِيمَةِ وَالْكَسْرَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ وَقُوَّةِ شَوْكَتِهِمْ، لِيُطَامِنَ رءوسا رُفِعَتْ بِالْفَتْحِ، وَلَمْ تَدْخُلْ بَلَدَهُ وَحَرَمَهُ كَمَا دَخَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا رَأْسَهُ مُنْحَنِيًا عَلَى فَرَسِهِ، حَتَّى إِنَّ ذَقْنَهُ يَكَادُ أَنْ يَمَسَّ سَرْجَهُ، تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ، وَخُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ، وَاسْتِكَانَةً لِعِزَّتِهِ، أَنْ أَحَلَّ لَهُ حَرَمَهُ وَبَلَدَهُ، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، وَلِيُبَيِّنَ سُبْحَانَهُ لِمَنْ قَالَ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلَّةٍ- أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ مَنْ يَنْصُرْهُ فَلَا غَالِبَ لَهُ، وَمَنْ يَخْذُلْهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى نَصْرَ رَسُولِهِ وَدِينِهِ، لَا كَثْرَتُكُمُ الَّتِي أَعْجَبَتْكُمْ فَإِنَّهَا لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا فَوَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.
فَلَمَّا انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهَا خِلَعُ الْجَبْرِ، مَعَ بَرِيدِ النَّصْرِ {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرْوَهَا (26)} وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ خَلَعَ النَّصْرَ وَجَوَائِزَهُ إِنَّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [28: 5، 6].